أساليب الاغتيال وطرق تجنبها
اعتمد الكيان الصهيوني منذ نشأته الاغتيال السياسي لضرب مناهضيه من ساسة ومقاومين ومفكرين. وتنوّعت أساليب الاغتيال حسب الفترة الزمنية والرجل المستهدف وطبيعة المنطقة والظروف المختلفة في السياسة على مختلف المستويات المحلية والإقليمية والدولية وغيرها.
أولاً: أسلوب الرسائل المفخخة
هو أسلوب استخدمه الموساد منذ وقت مبكر لاغتيال مناهضي الكيان الصهيوني نظراً لسهولته النسبية. وكان من أوائل من استُخدم ضدّه هذا الأسلوب مصطفى حافظ الذي أرسله الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر إلى قطاع غزة خلال الخمسينيات لتنظيم العمل الفدائي هناك. وقد عرف هؤلاء الفدائيون فيما بعد بفدائيي مصطفى حافظ واستطاعوا تنفيذ عمليات عسكرية في العمق الصهيوني. وقد استطاع الكيان الصهيوني اغتياله بواسطة بريد مفخخ في حزيران 1956. كما أصيب بالبريد المفخخ بسام أبو شريف الناطق الرسمي باسم الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين في العام 1972 في بيروت، ومدير مركز الأبحاث الفلسطينية الدكتور أنيس صايغ.
وكان بإمكان المناضلين قتل الصهاينة بنفس أسلوب الرسائل المفخخة، فلم يكن الأسلوب حكراً على الجانب الصهيوني، ففي 19/8/1972 استلم مدير محطة الموساد في السفارة الإسرائيلية في لندن أمير شاشوري رسالة مفخخة انفجرت به فقتلته على الفور. وقد اتخذت العديد من التنظيمات الفلسطينية عدداً من الإجراءات لتحاشي وقوع مثل هذه الانفجارات. منها المحافظة على سرية صناديق البريد، فتح سجل يومي للبريد الوارد مع ذكر التاريخ والمصدر والبلد القادمة منه ونوعية وموضوع المادة. كذلك عدم فتح الطرود والرسائل في مكان يكثر فيه تواجد أعضاء الحركة، أو في المكاتب، ويكلف شخص مختص ومزوّد بالإجراءات والأدوات اللازمة بفتح الطرود والرسائل. ويتم اختيار مكان أمين ومعزول لفتح الرسائل.
ثانياً: أسلوب تفخيخ السيارات
يلاحظ أن أكثرية المناضلين الذين تعرّضوا لأسلوب تفخيخ السيارة لم يتخذوا الإجراءات الضرورية والأساسية للحماية، من الكاتب غسان كنفاني في بيروت إلى بسام الشكعة في الضفة الغربية وغيرهما الكثير. وربما كان ذلك تحت ثقل التراخي الأمني أو النمط اليومي، أو عدم تفكير بعضهم بأنهم مستهدفون لعدم انشغالهم بالعمل العسكري أو الأمني، مع أن التجارب أثبتت أن كل فلسطيني مهموم بقضيته سواء كان سياسياً أو أديباً أو صحفياً أو عسكرياً مستهدف من الموساد.
إن تفخيخ السيارة لا يحتاج إلى خبرة عالية أو وقت طويل، فقط يحتاج إلى شخص لديه خبرة عامة في كهرباء السيارات، ويمكن أن تفخخ السيارة عبر مفتاح التشغيل، وفتح الباب ودعسة الفرامل، وكابح الفرامل الخلفية، وعلى الغيار الخلفي و((دعسة)) البنزين وعلى ضوء الفيوز والضوء العادي، والضوء العالي وعلى الغماز اليمين واليسار والجلوس على الكرسي ودوران العجلات، وجميع هذه الأشكال تعتمد على وصول التيار الكهربائي للعبوة عبر تشغيل أي قطعة من القطع الآنفة الذكر. لذلك يجب أن لا تعطى المفاتيح الخاصة بسيارة المناضل لأحد خوفاً من أن يقوم مترصدون بأخذ نسخ منها، كما حصل مع الشهيد القائد إبراهيم بني عودة الذي فجّر سيارته أحدُ أقاربه. كما أنه يجب أن يكون للسيارة جهاز إنذار خاص، ووضع علامات مميزة للأبواب والغطاءين الأمامي والخلفي، التأكّد من إغلاق الأبواب وتأمينها. ويجب التأكّد من أنه لم يحدث أي تغيير على الإشارات التي تُركت ليلاً في السيارة. ويجب فحص جسم السيارة من الأسفل كل يوم صباحاً خوفاً من أن تكون المتفجّرات غرست أسفلها.
ثالثاً: تفجير السيارة عن بعد
وهي تقنية لا تحتاج إلى تعقيدات ووقت زمني، وإجراءات العملية تتم في عدة ثوانٍ فقط، يقوم فيها شخص بوضع عبوة لاصقة أسفل السيارة وهذه العبوة تلتصق بجسم السيارة بمجرّد وضعها، وفي داخل العبوة جهاز استقبال يعمل وفق تردّد محدّد، وعلى بُعد ما بين خمسين أو مائة متر في مساحة مفتوحة أمام رؤية البصر يقف الأشخاص أو الشخص الذي سيفجر العبوة، ومن خلال جهاز إرسال في يده يرسل التردّد المحدّد لجهاز الاستقبال فور أن يكون الهدف جاهزاً للتفجير. وبضغط من الإصبع ينتهي كل شيء ويختفى القتلة بسيارة معدّة مسبقاً مستفيدين من حالة الهلع التي يسببها الانفجار. ومن هنا يجب على أي مقاوم أن يغير عنوانه بشكل مستمر وكذلك السيارة التي يتنقل فيها ورقم الهاتف. كما أن أي مجاهد يضطر أن يترك سيارته لبضع الوقت من أجل قضاء حاجياته يجب عليه قبل ركوب السيارة التوجه بشكل طبيعي إلى السيارة، والتوقف قبل الوصول إليها بعدة أمتار وإلقاء نظرة دائرية سريعة على الأجسام الثابتة والأشخاص المتحركة في محيط المنطقة.
رابعاً: إطلاق النار عن قرب
يلاحظ أن كثيراً من الاغتيالات التي نفذت من خلال إطلاق النار عن قرب نفّذت بعواصم أوروبية فوائل زعيتر ممثل م.ت.ف اغتيل في روما، وباسل الكبيسي من قيادات الجبهة الشعبية اغتيل في باريس وكذلك عاطف بسيسو المسؤول في الأمن الموحّد. فقد كانوا يعتبرون أنهم في مأمن طالما هم في بلدان غربية تربطها علاقات مع (إسرائيل). متغافلين عن حقيقة أن هذه الدول الغربية تقيم علاقات استخباراتية وثيقة مع جهاز الموساد، ومن كان يُقبض عليه من هذا الجهاز وهو يقوم باعتداء يُحكم عليه ببضعة أشهر لا أكثر. ورغم أن الكثير من الشخصيات الفلسطينية التي اغتيلت بهذا الأسلوب هي شخصيات مهمة ويمكن تصنيفها في دائرة الاستهداف الصهيوني، إلاّ أنها لم تأخذ أية احتياطات أمنيّة بما فيها الحراسة الشخصية.
وممن اغتيل كذلك بواسطة هذا الأسلوب الإجرامي الشهيد القائد فتحي الشقاقي الأمين العام لحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، والذي اغتالته وحدة كوماندوس إسرائيلية في مالطا عام 1995.