ذاكرة لا تنطفئ: الحصار، الاجتياح والدمار
بقلم: الأديبة والصحافية
ريما حاج يحيى
العائدة من أرض الأهوال
سنين هزيلة حين تجرعت مرارة الصمت، ولم أشهر سيفي
في وجه من يظلم ويؤذي ويتعدى علي أو على الآخرين،
وأنا التي لم أخضع يوماً.. ولم أتوانى في الدفاع عن كياني
وحقي في حياه كريمة كإنسانة وكعربية مسلمة أحيانا أخرى،
فقد مارست الخضوع تدريجياً حتى أصبحت أضعف من نملة
وربما أحقر من حشرة بنظر هؤلاء المارقين المدجَّجين بالسلاح!
كنت كمن يحيى وسط فكي كماشة، يضغط بكلتى يديه لكي لا
تطبق عليه ويسأم أحيانا حين يتعب فيحتمل وجعاً فرض عليه
دون ذنب جناه.. سوى أنه فلسطيني مسلم غير معترف به!
قلبه بريئاً من لظى الحقد وفكره بعيداً عن المؤامرات الدنيئة
التي تحاك ضده وضد أمثاله ممن حباهم الله بأفضال كثيرة..
ولكن لم تهن نفسي ولم تكلُّ عزيمتي ولم تثنيني الصعاب عن
تحقيق أهدافي صغيرة أو كبيرة .. وعشت ولا زلت بإباء وسط
الغرباء والأعداء.. يحق لي أن أفتخر لأني شامخة كجبال النار.
*****
آن للقلم أن يستمر بالتحدي الأسطوري ويعلن صرخة مدوية
تميط اللثام عن حقد اللئام.. ويلتقط مشاهداً لم تر النور لتكن
دليلاً على تلك الأيام والسنين بـ (أم عيني) بلا عدسة صناعية.
لم تكن سبع سنين عجاف لكنها مرَّت كسبعين عاماً أحسست فيها
بالهرم والعجز أحياناً، وبقوة الإيمان أحياناً أخرى حيث مارست الصمود..
هناك في أرض الأهوال المسيَّجة بالجدار الفاصل والملغمة بالحواجز
قريباً جداً من المستوطنات ترى العالم بمنظار آخر وأنت لست أنت،
يحاصرك الحصار حيث لا مفر.. أن تحتمل أو المنون مستقَر..
مشاهد بأم عيني- المشهد (1)
بقلمي: ريما حاج يحيى
فلسطين المحتلة
المكان- ما بين حدود فلسطين 48 والضفة الغربية
الزمان- بداية 2001 انتفاضة الأقصى المباركة
الطريق وعرة وطويلة من مسقط رأسي لنابلس وبالعكس، أمر عبرها
بالعديد من الحواجز، بعضها ينصب بشكل مفاجئ من الدبابات يحوم
حولها عشرات الجنود المدججين بالسلاح الثقيل، أصاب بالقلق والتوتر
حين أراها لأني أعرف ماذا ينتظرني كما الجميع؟! التفتيش بدقة: الحقيبة،
الأكياس وفحص الهوية، وهذا ما كنت دائماً أخشاه فبسبب هويتي ممنوعة
من دخول الجزء الأخر من الوطن، واضطر لمواجهة مباشرة معهم وإقناعهم
بحقي بالمرور وهذا يستنزف مزيدا من الوقت والجهد والأعصاب والشعور
بالقهر والذل والإهانة، أننا بحاجة لتصريح وإذن لنمر من أرضنا في وطننا،
بينما ذات الشوارع والطرق مفتوحة على مصراعيها لقطعان المستوطنين!
الحمد لله عبرنا الحاجز الأخير بآمان.. هذا ما قلته لنفسي، لكن فجأة
تظهر لنا أنياب الليث السوداء الدميمة باعتراض دبابة أو اكثر طريقنا،
وعلينا وجوب الطاعة والولاء والتسمُّر حالاً وإلا الجنود سيطلقون النار
مباشرة علينا، فهم يطلقونه للتخويف على الأعشاب فترقص طرباً،
ويمر الرصاص بمحاذاة زجاج نوافذ السيارة دون أن يصيبها، أما أنا
فتلك كانت المرة الأولى التي أكون بهكذا موقف صعب والحقيقة شعرت
بخطر شديد محدق بنا، وماذا سيمنعهم عن تنفيذ جريمتهم أو حتى مجزرة؟!
وتاريخهم الأسود ملطخ بدم الفلسطينيين الأبرياء، وكنت سمعت العديد من
القصص عن شباب مدنيين عائدين من العمل استشهدوا على الحواجز!
فأخفضت رأسي قليلا حيث كنت جالسة بجانب النافذة وبدأت أتشهد وأهلل،
فأخذ يهدأ روعي رجلاً مسناً قائلاً: لا تخافي يا ابنتي، إنهم جبناء، لذا يحبون
ترهيب الناس الأبرياء، ويخافون من كثرتنا حين نكون مجتمعين بمكان واحد،
فأجبته قائلة: شكراً لكني حقا لست خائفة فإيماني بالله قوياً وإن قتلت أكون شهيدة،
فقط صعب علي أموت هنا غريبة وحيدة بعيداً عن أهلي وعن زوجي وأهله..
وبقينا يحمينا سقف السماء وتحملنا الأرض السمراء حتى "انخلعوا"..
بقلم: الأديبة والصحافية
ريما حاج يحيى
العائدة من أرض الأهوال
سنين هزيلة حين تجرعت مرارة الصمت، ولم أشهر سيفي
في وجه من يظلم ويؤذي ويتعدى علي أو على الآخرين،
وأنا التي لم أخضع يوماً.. ولم أتوانى في الدفاع عن كياني
وحقي في حياه كريمة كإنسانة وكعربية مسلمة أحيانا أخرى،
فقد مارست الخضوع تدريجياً حتى أصبحت أضعف من نملة
وربما أحقر من حشرة بنظر هؤلاء المارقين المدجَّجين بالسلاح!
كنت كمن يحيى وسط فكي كماشة، يضغط بكلتى يديه لكي لا
تطبق عليه ويسأم أحيانا حين يتعب فيحتمل وجعاً فرض عليه
دون ذنب جناه.. سوى أنه فلسطيني مسلم غير معترف به!
قلبه بريئاً من لظى الحقد وفكره بعيداً عن المؤامرات الدنيئة
التي تحاك ضده وضد أمثاله ممن حباهم الله بأفضال كثيرة..
ولكن لم تهن نفسي ولم تكلُّ عزيمتي ولم تثنيني الصعاب عن
تحقيق أهدافي صغيرة أو كبيرة .. وعشت ولا زلت بإباء وسط
الغرباء والأعداء.. يحق لي أن أفتخر لأني شامخة كجبال النار.
*****
آن للقلم أن يستمر بالتحدي الأسطوري ويعلن صرخة مدوية
تميط اللثام عن حقد اللئام.. ويلتقط مشاهداً لم تر النور لتكن
دليلاً على تلك الأيام والسنين بـ (أم عيني) بلا عدسة صناعية.
لم تكن سبع سنين عجاف لكنها مرَّت كسبعين عاماً أحسست فيها
بالهرم والعجز أحياناً، وبقوة الإيمان أحياناً أخرى حيث مارست الصمود..
هناك في أرض الأهوال المسيَّجة بالجدار الفاصل والملغمة بالحواجز
قريباً جداً من المستوطنات ترى العالم بمنظار آخر وأنت لست أنت،
يحاصرك الحصار حيث لا مفر.. أن تحتمل أو المنون مستقَر..
مشاهد بأم عيني- المشهد (1)
بقلمي: ريما حاج يحيى
فلسطين المحتلة
المكان- ما بين حدود فلسطين 48 والضفة الغربية
الزمان- بداية 2001 انتفاضة الأقصى المباركة
الطريق وعرة وطويلة من مسقط رأسي لنابلس وبالعكس، أمر عبرها
بالعديد من الحواجز، بعضها ينصب بشكل مفاجئ من الدبابات يحوم
حولها عشرات الجنود المدججين بالسلاح الثقيل، أصاب بالقلق والتوتر
حين أراها لأني أعرف ماذا ينتظرني كما الجميع؟! التفتيش بدقة: الحقيبة،
الأكياس وفحص الهوية، وهذا ما كنت دائماً أخشاه فبسبب هويتي ممنوعة
من دخول الجزء الأخر من الوطن، واضطر لمواجهة مباشرة معهم وإقناعهم
بحقي بالمرور وهذا يستنزف مزيدا من الوقت والجهد والأعصاب والشعور
بالقهر والذل والإهانة، أننا بحاجة لتصريح وإذن لنمر من أرضنا في وطننا،
بينما ذات الشوارع والطرق مفتوحة على مصراعيها لقطعان المستوطنين!
الحمد لله عبرنا الحاجز الأخير بآمان.. هذا ما قلته لنفسي، لكن فجأة
تظهر لنا أنياب الليث السوداء الدميمة باعتراض دبابة أو اكثر طريقنا،
وعلينا وجوب الطاعة والولاء والتسمُّر حالاً وإلا الجنود سيطلقون النار
مباشرة علينا، فهم يطلقونه للتخويف على الأعشاب فترقص طرباً،
ويمر الرصاص بمحاذاة زجاج نوافذ السيارة دون أن يصيبها، أما أنا
فتلك كانت المرة الأولى التي أكون بهكذا موقف صعب والحقيقة شعرت
بخطر شديد محدق بنا، وماذا سيمنعهم عن تنفيذ جريمتهم أو حتى مجزرة؟!
وتاريخهم الأسود ملطخ بدم الفلسطينيين الأبرياء، وكنت سمعت العديد من
القصص عن شباب مدنيين عائدين من العمل استشهدوا على الحواجز!
فأخفضت رأسي قليلا حيث كنت جالسة بجانب النافذة وبدأت أتشهد وأهلل،
فأخذ يهدأ روعي رجلاً مسناً قائلاً: لا تخافي يا ابنتي، إنهم جبناء، لذا يحبون
ترهيب الناس الأبرياء، ويخافون من كثرتنا حين نكون مجتمعين بمكان واحد،
فأجبته قائلة: شكراً لكني حقا لست خائفة فإيماني بالله قوياً وإن قتلت أكون شهيدة،
فقط صعب علي أموت هنا غريبة وحيدة بعيداً عن أهلي وعن زوجي وأهله..
وبقينا يحمينا سقف السماء وتحملنا الأرض السمراء حتى "انخلعوا"..